السفر و السياحة

الابتكار مطلوب في قطاع السياحة بدول الخليج

كلُ شيءٍ مؤقت، لكن بعض الاتجاهات الاقتصادية تستمر لفترة أطول من غيرها، فقد استمر تطبيق البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم لسياسة أسعار الفائدة المنخفضة للغاية بعد اندلاع الأزمة المصرفية في عام 2008 لأكثر من عقد، وهي فترة أطول مما توقعه الكثير من الخبراء والمراقبين. وقد ولَّت هذه الحِقبة وانتهت الآن فعليًا. وحتى قبل حلول شهر فبراير من العام الحالي، عندما بدأنا نتلمس آثار الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا بعد تسببها في ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، كان التضخم يمضي في اتجاه تصاعدي. وتأخر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في الاستجابة لهذه الأزمة، وبالتالي كان عليه التحرك بقوة، حيث ارتفعت أسعار الفائدة الأمريكية بشكلٍ ملحوظ بعد استقرارها لفترة طويلة عند مستوى يقترب من الصفر قبل عام.

وقد أدى الارتفاع الأخير لأسعار الفائدة الذي اعتُمد في منتصف شهر سبتمبر الماضي إلى رفع معدلات الفائدة القياسية إلى مستوى يتراوح بين 3% و3.25٪، حيث قفز مؤشر أسعار المستهلك إلى 9٪.

وقد تعيَّن على المصارف المركزية الأخرى أن تحذو حذو مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ولكن بما أن الدولار لا يزال عملة الاحتياطي النقدي المهيمنة في جميع أنحاء العالم، كان الارتفاع في قيمته هو الأقوى، حيث ارتفعت قيمة الدولار بأكثر من 10٪ خلال العام الماضي، وكانت آثار هذه الخطوة ملموسة وبشدة هنا في منطقة الخليج بسبب اعتمادنا على تصدير النفط وتسعيره في الأسواق العالمية بالدولار. وقد بلغ سعر النفط ذروته خلال العام الحالي عندما وصل إلى أكثر من 100 دولار للبرميل. ثم انخفض منذ ذلك الحين إلى حوالي 80 دولارًا، مقارنة بالسعر المسجل خلال جائحة كورونا في منتصف عام 2020 والذي انخفض إلى أقل من 10 دولارات للبرميل. وترتبط معظم العملات في الخليج بالدولار، الذي يُعدُ العملة الرئيسية للمعاملات في معظم عمليات التجارة العالمية.

ويمثل ارتفاع سعر الدولار نعمةً ونقمةً بالنسبة لدول المنطقة. فرغم ارتفاع الإيرادات الحكومية، وتعزز القوة الشرائية للشركات والمواطنين في الخليج، حدثت أضرار تحد من القدرة التنافسية للصناعات الموجهة للتصدير. وتسعى اقتصادات دول الخليج، بدرجات متفاوتة، إلى تنويع اقتصاداتها لكي لا تعتمد بشكل مفرط على قطاع النفط والغاز، بسبب تقلب أسعارهما وارتفاع الانتقادات الموجهة للدول التي تعتمد على الصناعات الملوثة للبيئة. وتعمل الاقتصادات الغربية كذلك على تسريع التحول الاستراتيجي بعيدًا عن استخدام الوقود الأحفوري، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.

وفي دول الخليج، ينظر إلى قطاع السياحة باعتباره أحد القطاعات الواعدة التي تتمتع بإمكانيات هائلة للمساهمة في تحقيق خطط التنمية، حيث تنعم المنطقة بسطوع أشعة الشمس طوال العام، إلى جانب احتوائها على الكثير من الشواطئ الخلابة، والبنية التحتية الحديثة، ومجموعة هائلة من عوامل الجذب السياحي المتمثلة في المتاجر الراقية والمطاعم الفاخرة، بالإضافة إلى تاريخ المنطقة العريق والثقافة الغنية ولكن السياحة ليست من أوليات الإنفاق الاستهلاكي، بالإضافة إلى ارتفاع قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، وهو ما يجعل الخليج وجهةً سياحية أغلى ثمنًا.

وقد فرضت عوامل أخرى بعض التحديات: فقد انخفض عدد السياح القادمين من روسيا والصين، وتضرر الاقتصاد الروسي من جراء العقوبات، وواصلت الصين فرض قيود صارمة على السفر في إطار استراتيجيتها الرامية للقضاء على فيروس كوفيد – 19.

ويجب أن تكون صناعة السياحة أكثر ابتكارًا. ومن بين الأساليب الذكية التي تتبعها صناعة السياحة القطرية طرح باقات سياحية تتراوح مدتها من 3 إلى 4 أيام للمسافرين العابرين بين الدول الغربية وآسيا بسبب تنامي عدد المسافرين ووجهات الخطوط الجوية القطرية. وقد نجح قطاع السياحة أيضًا في استقطاب زوار من الهند وجنوب شرق آسيا، بسبب القرب الجغرافي، وتبسيط إجراءات منح التأشيرات، والتنويع الثقافي، بدلاً من الاعتماد بشكل مفرط على السياح القادمين من الغرب.

وقد برع قادة قطاع السياحة بدول الخليج في استخدام هذه المزايا لمواجهة التحديات الاقتصادية ولكنها قد تكون غير كافية بسبب التوقعات الاقتصادية بأن يحافظ الدولار على قوته على المدى المتوسط، لذلك ستستمر الحاجة إلى الابتكار والتطوير، حيث تسعى الوجهات السياحية الأخرى إلى تحقيق أقصى استفادة من ميزة رخص التكلفة لمنافسة دول الخليج في جذب السياح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى