السفر و السياحة

قطاع الطيران البريطاني .. إلى أين يتجه؟. هل يستطيع المسافرون شراء التذاكر؟. أكبر شركة تقدمت بطلب حمايتها من الإفلاس. يولد 22 مليار استرليني ومليون وظيفة .. صناعة مهددة تقارير_الاقتصادية

في أواخر الشهر الماضي ألغت شركة الطيران البريطانية “فلاي بي”، التي كانت ذات يوم أكبر شركة طيران إقليمية مستقلة في أوروبا، ألغت جميع رحلاتها الجوية، وتقدمت بطلب الحماية من الإفلاس للمرة الثانية، فيما يعده البعض الفصل الأخير للشركة التي تعاني اضطرابات مزمنة

وبصرف النظر عما كان إفلاس الشركة مفاجئا لقادة قطاع الطيران في المملكة المتحدة أم لا، فإن إفلاس شركة بحجم “فلاي بي” أثار تساؤلات حول مستقبل القطاع ككل

وفي الحقيقة فإن التساؤل والقلق تجاوزا العاملين في قطاع الطيران ليمتدا إلى السياسيين والاقتصاديين البريطانيين، نظرا للأهمية التي يلعبها القطاع في الاقتصاد البريطاني ككل، الذي يمر في الوقت الحالي بأزمة صعبة، ولا شك أن تلك الأزمة تزداد صعوبة بانهيار شركة بحجم “فلاي بي”

قطاع الطيران يعد مساهما رئيسا في اقتصاد المملكة المتحدة، ومن المقدر أن يسهم هذا العام بنحو 53 مليار جنيه استرليني، كما أن الصناعة تدعم أكثر من مليون وظيفة ويقدر أنها ستولد 22 مليار جنيه استرليني من الناتج المحلي الإجمالي في 2023، إضافة إلى ذلك يتوقع أن تسدد الصناعة ضرائب تصل إلى نحو 6.7 مليار جنيه استرليني، ويوضح هذا كله الدور الحاسم الذي يلعبه قطاع الطيران المدني في اقتصاد المملكة المتحدة وقدرته على زيادة النمو الاقتصادي

بل إن صناعة الطيران مسؤولة أيضا عن تمكين النمو الاقتصادي في بريطانيا وزيادة معدلاته في وقت تعد المملكة المتحدة في أمس الحاجة لتحقيق مزيد من معدلات النمو المرتفعة، فهي مركز رئيس للتجارة الدولية والسياحة، وصناعة الطيران تمثل حجر أساس لتوفير الروابط بين المملكة المتحدة وباقي دول العالم، ما يساعد على جذب الاستثمارات وإيجاد الفرص الاقتصادية

المشكلة الكبرى في إعلان إفلاس شركة “فلاي بي”، أن إعلانها يأتي في الوقت الذي يتم فيه الترويج إلى أن 2023 هو العام الذي سيعود فيه السفر بالطائرات إلى سابق عهده قبل تفشي وباء كورونا، فوفقا للحكومة البريطانية كانت أعوام الوباء هي الأصعب خلال 100 عام من تاريخ هذه الصناعة، إذ شهدت المطارات البريطانية انخفاضا بنسبة 99 في المائة في أعداد الركاب في ذروة الوباء، وعلى مستوى العالم واجه القطاع انخفاضا في عائدات الركاب بأكثر من 250 مليار جنيه استرليني في 2021

من جانبه، قال لـ”الاقتصادية” ألن. دين طيار سابق في الخطوط الجوية البريطانية ونائب الرئيس التنفيذي لاتحاد الطيارين البريطانيين، “صناعة الطيران البريطانية تواجه تحديات جمة منذ جائحة كورونا وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وشركات الطيران تواجه دائما مخاطر الإفلاس، لكن الوباء كان الأكثر ضررا في قطاع الطيران البريطاني مقارنة بأي تهديد آخر”

وأضاف “الأعوام الثلاثة الأخيرة شهدت مجموعة من العوامل أضعفت قطاع الطيران في المملكة المتحدة، فقد ارتفعت التكاليف بشكل غير مسبوق، فالصناعة تخضع الآن لأنظمة وضرائب بيئية مختلفة تزيد من تكلفة التشغيل، وهذا يخرج عديدا من الشركات من إطار المنافسة، خاصة مع الشركات الأوروبية التي تقدم خدمة مساوية وبأسعار أقل، كما أن تكلفة الوقود عامل أساسي في صناعة الطيران، وتؤثر بشكل قوي في تكلفة التشغيل، وتمثل نحو 19 في المائة من إجمالي التكاليف، والتقلبات في أسعار النفط منذ الحرب الروسية في أوكرانيا، يجعل من الصعب التنبؤ بتكلفة الوقود مما يؤثر في ربحية شركات الطيران”

ويستدرك قائلا “انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي أوجد حالة من عدم اليقين الكبير لدى شركات الطيران البريطانية، فمن غير الواضح حتى الآن كيف ستؤثر علاقة المملكة المتحدة المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي في الصناعة وما اللوائح والضرائب الجديدة التي قد تفرض؟”

ووفقا للمعايير الدولية، فإن بريطانيا لديها استخدام منخفض نسبيا للرحلات الداخلية التجارية، ولإحداث تغيير في هذا الوضع من المقرر في نيسان (أبريل) المقبل أن تقدم الحكومة البريطانية تخفيضات طال انتظارها على الضرائب المفروضة على شركات الطيران المحلية، في محاولة لزيادة استخدام الطيران في الرحلات الداخلية، إذ رحب أقطاب صناعة الطيران البريطانية بهذا الاتجاه الحكومي، وعدوه خطوة على طريق تقريب الفجوة بين جنوب بريطانيا المزدهر اقتصاديا وشمالها المحروم اقتصاديا

إلا أن تلك الخطوة تواجه امتعاضا ورفضا من قبل المجموعات المدافعة عن البيئة، ويدعو البعض بريطانيا إلى سن حظر للرحلات القصيرة على مستوى البلاد مشابه للحظر الذي فرضته فرنسا العام الماضي، إذ أصبحت فرنسا أول دولة تحظر الرحلات الجوية بين المدن التي ترتبط برحلة قطار تقل عن ساعتين ونصف الساعة

كما تعرض رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك لانتقادات من خصومه السياسيين الشهر الماضي لاستخدامه الرحلات الداخلية للسفر في جميع أنحاء المملكة المتحدة

مع هذا يتوقع هنري روي الخبير الاستثماري، أن يكون مستقبل صناعة الطيران في المملكة المتحدة إيجابيا للغاية على الأمد الطويل، مدفوعا في ذلك بالطلب المتزايد على السفر جوا

وتوقع في حديثه لـ”الاقتصادية”، “أن تصبح الصناعة أكثر استدامة وصديقة للبيئة، مع التركيز على تقليل الانبعاثات والضوضاء والنفايات، إضافة إلى ذلك من المرجح بشكل كبير أن تستفيد الصناعة من زيادة الشحن الجوي، وتعزيز أنظمة التحكم في الحركة الجوية، كما أن الحكومة لديها خطط لزيادة الاتصال بين المملكة المتحدة والدول الأخرى عبر السفر الجوي، ما يحقق مزيدا من الفائدة الاقتصادية”

وأضاف “على الرغم من أن إفلاس شركة بحجم “فلاي بي” يمثل ضربة لصناعة الطيران البريطانية، فإن ذلك سيمهد الطريق لاندماج عديد من شركات الطيران صغيرة ومتوسطة الحجم مع بعضها بعضا، أولا لتزيد من قدرتها على تحمل التكاليف المتزايدة للصناعة، وكذلك لمنافسة الشركات الكبرى، عبر تقديم خدمة مشابهة بتكلفة أقل”

ويتفق تيم وليم رئيس ائتمان تمويل الطيران في مجموعة إل. دي مع وجهة النظر أعلاه، فرغم المصاعب التي تواجه شركات الطيران البريطانية في الوقت الراهن، خاصة مع الهزة الناجمة عن إعلان إفلاس شركة “فلاي بي” فإن المستقبل يتضمن وضعا إيجابيا للصناعة ككل

وذكر لـ”الاقتصادية”، “أنه في 2013 توقعت وزارة النقل المركزية أن أعداد المسافرين ستنمو بنحو 1.5 مرة بحلول 2030، و2.2 مرة بحلول عام 2050 مقارنة بـ2011، الوضع الآن أفضل من ذلك، ويمنح شركات الطيران والمطارات ومقدمي خدمات الملاحة الجوية في المملكة المتحدة الفرصة لزيادة مساهمتهم بشكل مباشر وغير مباشر في الاقتصاد البريطاني”

ويواصل قائلا “إفلاس شركة “فلاي بي” للمرة الثانية في غضون ثلاثة أعوام، يعود إلى الارتفاع الشديد في أسعار تذاكر الطيران، بحيث إن بعض وجهات السفر بات من المشكوك فيه أن يكون المسافرون قادرين على شراء تذاكر السفر إليها، إذ ارتفعت تذاكر السفر من المملكة المتحدة إلى نيوزيلندا بأكثر من 80 في المائة، وإلى جنوب إفريقيا بأكثر من 40 في المائة، لكن تلك الزيادة في الأسعار لن تستمر إلى الأبد، إذ ستتراجع مستقبلا مما سيحدث انتعاشا حقيقيا في الطلب على السفر الجوي، ويعزز وضع صناعة الطيران في المملكة المتحدة”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى