النقل الجوي

الطائرات ذاتية القيادة قد توفر أكثر من 35 مليار دولار في قطاع النقل الجوي.. هكذا تعمل شركات الطائرات بجد على تشغيل طائراتها من دون طيارين

ستهيمن رحلات الطيران المستقلة من دون طيار على قطاع الطيران المدني في أقرب وقت، فيما قد يمثل هبة لأميركا، الدولة المترامية الأطراف. الطائرات موجودة بالفعل، ونقابات الطيارين على استعداد لخوض المعركة، فيما تحضر إدارة الطيران الفيدرالية للأمر بطريقة ممتازة

في يناير/ كانون الثاني، كشف الرئيس التنفيذي لشركة الطائرات بوينغ، ديف كالهون، عن سر معروف في عالم الطيران، إذ قال لتلفزيون بلومبرغ: “أعتقد أن المستقبل سيكون للطيران المستقل في قطاع الطيران المدني”، قبل أن يستطرد بقوله: “سيستغرق الأمر بعض الوقت، إذ ينبغي أن نتحلى جميعنا بالثقة”

لطالما حلّق الجيش الأميركي بطائرات من دون طيار منذ عقود ولكن في مجال جوي منفصل. والآن بات من الواضح أن الطائرات ذاتية التحليق ستجد لنفسها موطئًا أخيرًا في الطيران التجاري، لا في عالم الخيال

مستقبل الطيران

يعمل مصنعو الطائرات والخطوط الجوية وإدارة الطيران الفيدرالية على ذلك. ومن جانبها تقر نقابات الطيارين بأن تهديد الطائرات المستقلة يلوح في الأفق

يقول دينيس تاجر، الذي عمل كطيار لمدة 35 عامًا والمتحدث باسم جمعية الطيارين المتحالفين، التي تمثل 15 ألف طيار من الخطوط الجوية الأميركية: “الأمر كله يتعلق بالمال، حيث يتجه المصنعون للبحث دائمًا عن التكنولوجيا التالية التي من شأنها أن تكسبهم المال، ومن جهة أخرى تبحث شركات الطيران عن التكلفة الأقل”

إنها حقيقة جلية يصعب إنكارها، فقبل ست سنوات، قدر تقرير صادر عن بنك UBS السويسري أن الطائرات المستقلة يمكن أن توفر أكثر من 35 مليار دولار في قطاع النقل الجوي سنويًا. بيد أن التقرير نفسه أشار إلى وجود مشكلة كبيرة في الفهم العام للأمر

وجد استطلاع عالمي أجري عام 2017 أن الأغلبية العظمة لن تكون مستعدة للسفر في طائرة من دون طيار، حتى إن كانت أرخص تكلفة. في العام التالي، وجد استطلاع عام أجرته شركة Ipsos أن 81% من الأميركيين لن يكونوا مرتاحين للسفر على متن طائرة ذاتية الطيران

جدير بالذكر أن هذا الاستطلاع كان برعاية جمعية طياري الخطوط الجوية (ALPA)، التي يشكل أعضاؤها البالغ عددهم 65 ألفًا أكبر اتحاد للطيارين في البلاد

ستبدأ الطائرات المستقلة في الاندماج في قطاع الطيران المدني في صورة طائرات شحن صغيرة، بقيادة شركات مثل Xwing، وهي شركة ناشئة مقرها شمال كاليفورنيا

يقول الرئيس التنفيذي لشركة Xwing، مارك بييت: “لقد أخذنا هيكل الطائرة الحالي من طراز Cessna، الذي يعد الأكثر استخدامًا في الشحن السريع، وقمنا بتعديله لتحويله إلى مركبة يتم الإشراف عليها عن بُعد. نحن نعتقد أن سوق الشحن هو أفضل بداية لنشر مفهوم الطيران المستقل”

يجب أن يكون هناك طيار لضمان السلامة على متن الطائرة، حتى تعتمد إدارة الطيران الفيدرالية التكنولوجيا، بحيث يمكنه فصل النظام وإعادة الطائرة إلى وضع الطيران اليدوي، ولكن بخلاف ذلك لن يفعل أي شيء سوى مراقبة النظام

بمجرد اعتماد التكنولوجيا، تخطط شركة Xwing لتشغيل هذه المركبات بحلول أواخر عام 2025، ثم إتاحتها لمشغلين آخرين. “على سبيل المثال، تمتلك FedEx نحو 240 طائرة من طراز Cessna 208s في الولايات المتحدة،” كما يقول بييت، في إشارة إلى إمكانات التوسع في المشروع. ويتوقع أن تبدأ الطائرات المستقلة في نقل الركاب بحلول نهاية هذا العقد

بالطبع ليست شركة Xwing الشركة المصنعة الوحيدة التي تعمل على طائرات الشحن المستقلة، ولكنها تمتلك سلاحًا سريًا يتمثل في مسؤول الامتثال والجودة الرئيسي، إيرل لورانس، الذي يعرف لوائح إدارة الطيران الفيدرالية، بعد أن ترك الوكالة مؤخرًا

يقول لورانس: “نحن نقدم هذه الفئة من الطائرات إلى سوق الشحن من دون أن نغير القواعد، بل باتباع اللوائح”، على عكس شركات أخرى تقدمت بمقترحات لا تتوافق مع لوائح إدارة الطيران الفيدرالية. “وهو ما يُبطئ الأمور بشكل كبير”

يعرف ستيفان فيمات الكثير أيضًا عن الطائرات ذاتية القيادة، إذ ترأس قسمي Urban Air Mobility والأنظمة الجوية غير المأهولة (UAS) في شركة Honeywell، التي لها تاريخ طويل في تطوير أنظمة الطيار الآلي لطائرات Boeing Dreamliners وGulfstream وEmbraer، بالإضافة إلى الطائرات الأخرى

يقول فيمات عن شركاء شركة Honeywell: “سيبدأ معظمهم بطيار بشري، ثم ينتقلون إلى عدم وجود طيار على متن الطائرة. يود بعضهم تنفيذ ذلك في غضون أربع أو خمس سنوات، فيما يعتقد البعض الآخر أن الأمر سيستغرق نحو 10 سنوات”

تتضح إحدى مزايا الطائرات الصغيرة الخالية من الطيارين في زيادة السعة، إذ تزيد سعة الطائرة من ستة ركاب إلى سبعة مقاعد. يقول فيمات: “كل هذه الشركات تتطلع حقًا إلى اليوم الذي تطير فيه من دون طيار، إنهم جميعًا يخططون لذلك، ونحن نساعدهم للوصول إلى هذه الغاية”

يقول تاجر: “قطاع الشحن ما هو إلا المفتاح. السيناريو المخطط له هو أن تبدأ بشيء بعيد عن الناس في ظاهره. لكن الحقيقة هي أن نفس السماء ستحمل الأنبوب المعدني الطائر، وستتشارك الجو مع طائرات الركاب”

اللوائح التنظيمية

بالنسبة للمصنعين، يتطلب إدخال طائرات جديدة بهذه الكيفية الإبحار في لوائح إدارة الطيران الفيدرالية وسلطات الطيران الأخرى في العالم. ويخشى البعض من الترحاب البادي على تقبل إدارة الطيران الفيدرالية للأمر

يشرح تاجر قائلًا: “تتأرجح إدارة الطيران الفيدرالية بين كونها سلطة إشرافية، وتحولها لكيان ودود مع الشركات المصنعة وشركات الطيران”

“ولا يتعين عليك النظر بعيدًا إلى الوراء [لحوادث طائرات بوينغ 737 ماكس]، لمعرفة ما يحدث عندما تكون العلاقة ودودة للغاية. تحتاج إدارة الطيران الفيدرالية إلى التحلي بالحزم فيما يخص ترخيص أكثر الأنظمة أمانًا على الإطلاق”

توظيف الذكاء الصناعي

تتقدم نظم الأتمتة، بشكل كبير، ويقول آرني ستوشيك، رئيس قسم التعلم الآلي في مركز الابتكار Acubed، التابع لشركة الطائرات إيرباص: “يعد الذكاء الصناعي فرصة كبيرة لتأسيس الجيل التالي من المنتجات في قطاع الطيران”

تختبر الشركة المصنعة للطائرات مجموعة من تقنيات مساعدة الطيارين فيما تسميه DragonFly، بحيث تستخدم أنظمة الطائرة الذكاء الصناعي وأجهزة الاستشعار على السطح الخارجي للطائرة “لرؤية” ما حولها بطريقة تشبه ما تقوم به حشرة اليعسوب للتعرف إلى المعالم في أثناء طيرانها

بيد أن التحدي الأكبر للطائرات ذاتية القيادة يتمثل في إقناع الجمهور بها، ويتوقع لورانس من Xwing أن تتطور الثقافة العامة مع مرور الوقت، “ومع طرح التكنولوجيا، سيفهمها الناس بشكل أفضل ويثقون بها أكثر”. وسيكون الأشخاص الذين يعيشون في مناطق ريفية بعيدة عن المطارات الرئيسية هم المستفيدون الأوائل

يتفق بييت من Xwing، قائلًا: “سيكون التأثير دراماتيكيًا، إذ إن نقص الطيارين يتسبب في انخفاض حركة المرور في المطارات الإقليمية، ما يعطل بعض المسارات الجوية تمامًا”

في نهاية المطاف، يثير تاجر التساؤل الأهم قائلًا: “هل سيعتاد الناس على الفكرة؟ لا أعرف، ولكن عندما تكون في السماء، محاطًا بالضوضاء، في ظروف جوية مضطربة، ولا أحد في قمرة القيادة، ستتمنى أن يكون من يقف أمام الكمبيوتر على دراية بكيفية إصلاح الوضع، لأن حياة عائلتك تعتمد عليه”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى