النقل الجوي

صناعة الطيران في دبي تتخذ خطوات ثابتة وطموحة لرسم معالم مستقبل أكثر استدامة

لم يعد مستبعداً أن تعمل رحلتك القادمة على أحد الخطوط الجوية جزئياً على الأقل بزيوت الطهي المستعملة، أو النفايات الزراعية أو الصلبة، أو “الوقود السائل” أو الهيدروجين المتجدد، وغيرها من مكونات وقود الطيران المستدام المعروف اختصاراً بــ (SAF)، وهو نوع جديد من وقود الطائرات الذي يَعد بخفض انبعاثات الكربون بنسبة 80% في المتوسط، وفقاً للاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA).

ولكن على الرغم من أهمية استخدام وقود الطيران المستدام للحد من الانبعاثات الضارة الناتجة عن حركة الطيران العالمي، المسؤول عن نحو 3% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، والحد من تأثيره على التغير المناخي، لم يستخدم حتى الآن هذا النوع من الوقود في الطائرات على المستوى العالمي بالشكل المأمول، ففي العام 2020، بلغت نسبة الإنتاج العالمي من وقود الطيران المستدام 450 مليون لتر فقط، وهو ما يعادل أقل من 0.05٪ من الطلب العالمي على وقود الطائرات.ومن دبي وتحديداً مع انطلاق معرض دبي للطيران 2023، تتصاعد المؤشرات الإيجابية حيث تستعرض الشركات المشاركة في نسخة هذا العام أحدث التقنيات والمبتكرات التي ستساهم في تحقيق صافي الانبعاثات الصفري في قطاع الطيران.

كما يسعى المشاركون في المعرض بنشاط إلى دعم سوق وقود الطيران المستدام والبحث عن فرص جديدة لاستخدامه.

دبي في الريادة

تحت سماء دبي، يجتمع أكبر المصنعين وأحدث طائرات العالم في “معرض دبي للطيران” في حدث يجذب آلاف الزوار ومئات المستثمرين، حتى أضحت الإمارة ملتقىً للصفقات المليارية في صناعة الطيران العالمية، ليعزز الحدث أثره الإيجابي كمنصة رائدة لرسم التوجهات المستقبلية لصناعة طيران مستدامة، تتويجا لمسيرة من الإنجازات صنعت خلالها دبي قصة نجاح استثنائية في منظومة الطيران العالمية.

وتعد الدورة الـ 18لمعرض دبي للطيران، أحد أهم فعاليات الطيران الكبرى في العالم، شهادةً على التزام دبي الراسخ، بتبني أحدث التقنيات والابتكارات في مجال الاستدامة البيئية وإيجاد فرص وحلول مبتكرة في مجال الحد من الانبعاثات وتقليل البصمة الكربونية بما يسهم في تحقيق صافي الانبعاثات الصفري في قطاع الطيران، لا سيما مع تركيز هذه الدورة من المعرض، المقرر عقدها في الفترة من 13 إلى 17 نوفمبر 2023 في دبي وورلد سنترال، على الاستدامة كموضوع رئيسي، حيث سيوفر المعرض منصة مثالية لتبادل الأفكار الموجهة نحو مستقبل أكثر استدامة للطيران.وإدراكاً للأهمية الكبيرة للاستدامة، والسعي لرسم مسار جديد لتوجيه صناعة الطيران نحو مسار أكثر صداقة للبيئة، ستتيح نسخة العام 2023 من المعرض الذي سيقام تحت شعار “مستقبل صناعة الطيران”، الفرصة للمختصين والخبراء في صناعة الطيران لاستعراض وتبادل الحلول التي تعنى بتحقيق الحياد المناخي، وبحث سبل التعاون وإيجاد فرص وحلول جديدة ومبتكرة في هذا المجال، بما ينسجم مع التزام المعرض والقطاعات المشاركة بتوفير أعلى معايير الاستدامة في القطاع، تزامناً مع عام الاستدامة في دولة الإمارات، واستضافة الدولة لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 28)، المقرر انطلاقه في دبي نهاية شهر نوفمبر الجاري.وضمن هذه الجهود، تشكل نسخة 2023 من معرض دبي للطيران حدثاً عالمياً لتحديد الاتجاهات والفرص المستقبلية لقطاع الطيران بمشاركة أكثر من 1400 عارض من مختلف القطاعات من 148 دولة حول العالم وأكثر من 300 متحدث دولي سيشاركون انطباعاتهم حول الاتجاهات المستقبلية وفي مقدمتها تلك المواضيع المتعلقة بالطاقة والبيئة والابتكارات التي تسهم في بلوغ نسبة صفر انبعاثات.ويشكّل الاهتمام رفيع المستوى بالابتكار والاستدامة، دافعاً رئيسياً إضافياً من شأنه أن يدعم توجه دولة الإمارات في تحقيق صافي الانبعاثات الصفري، حيث تمثل المبادرة الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 محركاً وطنياً يهدف إلى خفض الانبعاثات وتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، ما يجعل الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعلن عن هدفها لتحقيق الحياد المناخي. وتتماشى المبادرة مع أهداف “اتفاق باريس للمناخ” لتحفيز الدول على إعداد واعتماد استراتيجيات طويلة المدى لخفض انبعاث غازات الدفيئة والحد من ارتفاع حرارة الأرض دون الدرجة ونصف الدرجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل الثورة الصناعية.مطارات دبيوتعد مطارات دبي، الجهة المشغلة لكل من مطار دبي الدولي (DXB)، أكبر مطار دولي في العالم في عدد المسافرين الدوليين، ومطار دبي ورلد سنترال (DWC) من اللاعبين الرئيسيين في قطاع الطيران في دبي من خلال جهودها في تحقيق معايير الاستدامة في صناعة الطيران، حيث حازت على العديد من الجوائز بفضل مبادراتها في مجال الاستدامة، بما في ذلك “جائزة الشيخ محمد بن راشد العالمية للطيران” لفئة أفضل برنامج استدامة في الطيران – معيار البيئة، تقديراً لجهودها المتواصلة نحو تحقيق مستقبل أكثر استدامة في قطاع الطيران العالمي.

ونفذت مطارات دبي مشاريع متنوعة تؤكد التزامها بالاستدامة، عبر إطلاق العديد من المبادرات الخضراء الهادفة إلى تعزيز الاستدامة البيئية. وتتضمن هذه المبادرات استبدال 150 ألف مصباح كهربائي تقليدي في مباني المسافرين وإشارات الإنارة الأرضية في الممرات بمصابيح LED موفرة تعتمد على الطاقة الهجينة وذات كفاءة عالية فضلاً عن تركيب 15 ألفا من ألواح الطاقة الشمسية في مبنى المسافرين 2 في مطار دبي الدولي DXB الذي يعد الأكبر على مستوى جميع المطارات في منطقة الشرق الأوسط.وكجزء من التزامها بالاستدامة، أطلقت مطارات دبي مبادرة لإدارة النفايات هدفها إعادة تدوير 60 بالمائة من النفايات في مطار دبي الدولي (DXB). وقامت مطارات دبي بوضع وتنفيذ خطة مدروسة لمعالجة نفايات الطعام تستهدف جمع أكثر من 2000 طن من نفايات الطعام وتحويلها إلى سماد عضوي سنوياً وذلك من خلال منافذ المأكولات والمشروبات وصالات المسافرين، والفنادق في جميع مباني المسافرين والكونكورس في مطار دبي الدولي، حيث يؤدي تحلل نفايات الطعام في مقالب القمامة إلى زيادة انبعاثات غاز الميثان الذي يشكل ضرراً كبيراً على البيئة بمقدار 72 مرة أكثر من ثاني أكسيد الكربون.

كما أكملت مجموعة اينوك إنشاء خط أنابيب نقل وقود الطائرات الذي يمتد بطول 16.2 كم ويربط محطة “هورايزن اميريتس جبل علي للبترول” لتخزين البترول في جبل علي بمطار آل مكتوم الدولي، حيث يعمل الخط الذي تمّ تشغيله بأمان ونجاح في يوليو 2022 بحسب المعايير العالمية للصحة والسلامة لنقل 2000 متر مكعب في الساعة من وقود الطائرات إلى مطار دبي ورلد سنترال، على تلبية الطلب على وقود الطائرات في مطارات دبي حتى عام 2050 وهو ما يتوافق مع رؤية دبي في إرساء مستقبل مستدام في الإمارة إذ أنه من خلال تزويد أسطول المطار بإمكانية الوصول إلى الوقود بشكل موثوق وصديق للبيئة، تخلصت خدمة “اينوك لينك” من توقفين للتزود بالوقود أسبوعياً، مما أدى إلى تقليل حركة المركبات بمقدار 31,616 كيلومتراً سنوياً. وتلعب هذه المبادرة دوراً حاسماً في الحد من انبعاثات الكربون.

ماذا نحتاج؟

وهنا قد يتساءل البعض ماذا نحتاج حتى تتمكن شركات الطيران من تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية، الإجابة تكمن في معادلة حسابية بسيطة كفيلة بجعل سماء كوكب الأرض أقل تلوثاً وأكثر استدامة للبشرية، إذ يجب أن تصل الطاقة الإنتاجية العالمية لوقود الطيران المستدام، إلى أكثر من 30 مليار لتر بحلول عام 2030 و450 مليار لتر بحلول عام 2050 ، في وقت حرصت فيه طيران الإمارات، أن تكون في مقدمة تلك الجهود الرامية لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي ذي التأثير البيئي واسع النطاق حيث نجحت بالفعل في إنجاز رحلات تجريبية بنظام وقود الطيران المستدام.

تجربة طيران الإمارات

أخذت “طيران الإمارات” إحدى أكبر الناقلات الجوية في العالم، زمام المبادرة في رسم مستقبل أكثر استدامة وتعزيز سياسة الأجواء النظيفة، حيث أعلنت الناقلة في شهر مايو الماضي، عن تخصيص 200 مليون دولار أميركي، على مدى ثلاث سنوات، لتمويل مشاريع البحث والتطوير التي تركز على الحد من تأثير الوقود الأحفوري في عمليات الطيران التجاري، وذلك في أكبر التزام منفرد من قبل أي ناقلة جوية بشأن الاستدامة. كما عملت طيران الإمارات على تعزيز شراكاتها مع مؤسسات رائدة لإيجاد حلول تتعلق بتقنيات الوقود والطاقة المتقدمة.

وتركز سياسة واستراتيجية طيران الإمارات البيئية طويلة الأمد أنشطتها على 3 مجالات: الحد من الانبعاثات، والاستهلاك المسؤول، والحفاظ على الحياة البرية والموائل.

وكانت أول رحلة لطيران الإمارات، مدعومة بمزيج الوقود المستدام ووقود الطائرات التقليدي، قد انطلقت من مطار شيكاغو إلى دبي في نوفمبر 2017، كما رفعت الناقلة نسبة الوقود المستدام على رحلاتها من ستوكهولم، وتشغّل حالياً رحلات من باريس وليون وأوسلو باستخدام مزيج من النوعين. وفي ديسمبر 2020، تسلمت طيران الإمارات أول طائرة من ثلاث طائرات إيرباصA380 تعمل بمزيج الوقود المستدام ووقود الطائرات التقليدي.

وشغّلت طيران الإمارات، في يناير 2023 بنجاح أول رحلة تجريبية لطائرة بوينج 777 باستخدام وقود مستدام بنسبة 100% في أحد محركيها. وهدفت هذه الرحلة التجريبية إلى تعزيز بيانات الصناعة والجهود المبذولة لتمكين استخدام الوقود المستدام بنسبة 100% في المستقبل.

وأعلنت طيران الإمارات في تقريرها المالي للعام 2023 أنها قامت بتحميل ما مجموعه 179 طناً من وقود الطيران المستدام خلال السنة المالية الماضية 2022/ 2023.

وخلال شهر أكتوبر 2023، وقعت طيران الإمارات اتفاقية مع شركة “شل أفييشن” لتزويدها حصرياً بوقود الطائرات المستدام، وللمرة الأولى في مطار دبي الدولي. كما اتفقت طيران الإمارات مع شركة نيستي لتزويد طائراتها بالوقود المستدام للرحلات المغادرة من أمستردام وسنغافورة. وفي وقت سابق، أعلنت طيران الإمارات، أن أولى رحلاتها التي تعمل بوقود طيران مستدام (ساف SAF)، زودتها به شركة “شل أفييشن” Shell Aviation، أقلعت من مطار دبي الدولي، متجهة إلى سيدني لتصبح الرحلة (ئي كيه 412)، أولى رحلات “طيران الإمارات” التي تعمل بمزيج وقود الطيران المستدام تنطلق من دبي.كما تشارك طيران الإمارات في سلسلة من مجموعات العمل الصناعية والحكومية في دولة الإمارات، إلى جانب المشاركات المستمرة للمساعدة في توسيع نطاق إنتاج وتوريد الوقود المستدام، فقد أسهمت الناقلة العام الماضي، بالتعاون مع الهيئة العامة للطيران المدني في الدولة، في تطوير خارطة طريق تحويل الطاقة إلى سائل PtL في الدولة، التي تقودها وزارة الطاقة والبنية التحتية والمنتدى الاقتصادي العالمي، كما شاركت في خارطة الطريق الوطنية لوقود الطيران المستدام في الدولة التي أطلقتها وزارة الطاقة والبنية التحتية والهيئة العامة للطيران المدني في يناير 2023.وتدرس فلاي دبي، الناقلة الوطنية الثانية في دبي، استخدام وقود الطيران المستدام لتقليل بصمتها البيئية. وتعمل الناقلة على زيادة التعاون مع الحكومة لتحقيق ذلك.

محركات بلا كربون

تتبنى دبي حلولاً مبتكرة لمواجهة تحديات الطاقة والتغيرات المناخية وغيرها من القضايا المتعلقة بالاستدامة، ترجمة لدورها الريادي في الاستثمار في مجال الطاقة منخفضة الانبعاثات الكربونية، وعلى رأسها مجال إنتاج الوقود المستدام للطائرات.

ويحظى هذا الملف باهتمام بارز في الأجندة المستقبلية للإمارة بأن تكون مركزاً إقليمياً لوقود الطائرات المستدام، وقيادة تعاون دولي لتسريع العمل على إزالة الكربون من قطاع الطيران، والمساهمة في تحقيق مستهدفات دولة الإمارات في الحياد المناخي، وتعزيز كفاءة استهلاك الوقود والحفاظ عليه في أحد القطاعات الحيوية الداعمة للاقتصادات الوطنية، وتسريع نشر التكنولوجيا والابتكار، والمساهمة في تسريع التحول العالمي للوقود منخفض الكربون من خلال عضوية الدولة في منظمة الطيران المدني الدولي “الأيكاو”، ودعم المشاريع المتعلقة بالوقود المتجدد والطاقة في البلدان الأخرى.

أهمية وقود الطيران المستدام

بالإضافة إلى كونه محايداً تقريباً للكربون، يمكن لوقود الطيران المستدام أيضاً، تقليل الانبعاثات المباشرة، مقارنة بالوقود التقليدي، لأن جزيئاته أقل بنسبة 90%، ونسبة الكبريت فيه خالية 100%، ما يؤدي إلى تحسين جودة الهواء خلال الرحلات الجوية. كما يحترق وقود الطيران المستدام بكفاءةٍ أعلى، ما يسمح للطائرات باستخدام وقود أقل إجمالاً خلال الرحلة، عوضاً عن انه يوفر امتيازات اقتصادية لبعض البلدان، حيث يمكن إنتاجه في أي مكان باستخدام النفايات.

وكجزء من دفع صناعة الطيران العالمية لاستخدام مزيد من الوقود الأكثر مراعاة للبيئة لتحقيق أهداف انبعاثات الكربون، توقعت الوكالة الدولية للطاقة أنه بحلول عام 2030، سيشكل وقود الطيران المستدام نحو 15% من إجمالي استهلاك الوقود في قطاع الطيران، ونحو 75% بحلول عام 2050.

ويمثل التزام دبي بالاستدامة في صناعة الطيران نموذجاً ملهماً وحافزاً يبعث على التفاؤل بمستقبل قطاع الطيران العالمي. وبينما يسعى القطاع إلى تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، تثبت دبي أن التعاون والابتكار والسعي الحثيث للحلول الصديقة للبيئة هي مفاتيح النجاح.

ويعد معرض دبي للطيران 2023 بأن يكون حدثاً بارزاً لتحفيز ومضاعفة الجهود في تحقيق الاستدامة لصناعة الطيران العالمية حيث يجتمع قادة الطيران في العالم معًا لتشكيل مستقبل أكثر استدامة للسفر الجوي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى