سيارات

“سير” واستثمار وموارد.. خطط سعودية فاعلة لقيادة “صناعة السيارات الكهربائية بالعالم”

تستثمر المملكة بشكل كبير في السيارات والبطاريات الكهربائية، في ظل منافسة شرسة من القوى العالمية التي تقود العالم في إنتاج المركبات الكهربائية والسيطرة على مواردها المعدنية، ومع تحديات هذا العالم الذي يسعى لمواصلات بلا انبعاثات كربونية؛ فإن رغبة المملكة وطموحها لا يقل عن قيادة مواصلات المستقبل بعد قيادتها لوقود المواصلات في الماضي والحاضر.

الاتجاه العالمي لسوق السيارات الكهربائية

يحدق العالم في التهديدات الوشيكة لتغير المناخ، ويسعى حثيثًا للابتعاد عن السيارات التقليدية التي تعمل بالمحروقات، ففي اجتماع الأمم المتحدة للتغيرات المناخية عام 2021 صدر إعلان مفاده: “سنعمل معًا على أن تكون جميع السيارات والشاحنات الجديدة صفرية الانبعاثات الكربونية على مستوى العالم بحلول عام 2040، وفي الأسواق الرائدة بحلول عام 2035”.

وازداد الحماس لتطبيق ذلك عام 2022 في مؤتمر شرم الشيخ في جمهورية مصر العربية، بالتزام أكثر من 200 دولة وهيئة غير حكومية بالتحول للسيارات الكهربائية بحلول عام 2040، وفي الولايات المتحدة الأمريكية صدر قانون خفض التضخم الأمريكي الذي يحفّز على شراء المركبات الكهربائية من خلال توسيع نطاق الإعفاءات الضريبية للمشتريات بشكل كبير؛ حيث تشير هذه التصريحات إلى الاتجاه نحو سيارات الغد الكهربائية.

وعند الحديث عن السيارات الكهربائية فلا بد من البحث عن أهم مكوناتها وهي البطارية؛ حيث تعتمد بطاريات المركبات الكهربائية على خمسة معادن مهمة: (الليثيوم، والكوبالت، والمنغنيز، والنيكل، والجرافيت)، وتتجمع هذه المعادن في مناطق قليلة فقط في العالم لا تتوافق مع مراكز تصنيع السيارات التقليدية؛ فعلى سبيل المثال، يُعتقد أن نصف احتياطيات الليثيوم في العالم موجودة في تشيلي، ويُعتقد أن نصف احتياطي الكوبالت موجود في جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ لذلك يتعين على عمالقة التصنيع في العالم أن يكونوا مبدعين لتأمين إمدادات هذه المعادن للحفاظ على إنتاجهم؛ في حين أن الدول التي لم يكن لديها تاريخيًّا قاعدة صناعية قوية؛ يمكنها الاستفادة من احتياطياتها لتصبح رائدة في الصناعة.

إن تقليص سلاسل التوريد بكفاءة من أول التنقيب عن المعادن واستخراج المواد الأولية، إلى إنتاج السيارات؛ سيمكّن أي دولة من اكتساب ميزة تنافسية في إنتاج السيارات الكهربائية؛ إلا أن دمج سلاسل التوريد العالمية ليس بالمهمة اليسيرة بل يحتاج إلى الخبرة والبنية التحتية الملائمة والموارد الاقتصادية الكبيرة، بالإضافة لموقع جغرافي متميز يكون جسرًا لتلاقي الثروات المعدنية بالتكنولوجيا المطلوبة لإنتاج السيارات الكهربائية.

إن موقع المملكة على مفترق طرق إفريقيا وآسيا وأوروبا؛ يجعلها نقطة محورية لاستيراد المعادن من المناجم في إفريقيا، وإنتاج البطاريات أو حتى المركبات محليًّا ثم التصدير إلى الأسواق الدولية؛ كل ذلك مع الحفاظ على وقت وتكلفة شحن منخفضين نسبيًّا.

السباق العالمي على الهيمنة

قال ولي العهد رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله: إن إطلاق شركة “سير” لا يهدف إلى بناء علامة تجارية للسيارات في المملكة فحسب، بل يدعم تمكين قطاعات استراتيجية متعددة تدعم تطوير المنظومة الصناعية الوطنية، وتسهم في جذب الاستثمارات المحلية والدولية؛ الأمر الذي من شأنه استحداث العديد من فرص العمل للكفاءات المحلية، وتوفير فرص جديدة للقطاع الخاص، بما يسهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي للمملكة خلال العقد المقبل؛ وذلك تحقيقًا لاستراتيجية صندوق الاستثمارات العامة في المساهمة بدفع عجلة النمو الاقتصادي تماشيًا مع رؤية 2030.

وترى المملكة أن سوق السيارات الكهربائية سيمكّنها من الحفاظ على المكانة الجيوسياسية التي أسستها كقوة مهيمنة في سوق النفط، ويرى ولي العهد محمد بن سلمان أن التقنيات الناشئة في صميم مهمته لتنويع اقتصاد المملكة في إطار رؤية 2030.

واتخذت المملكة بالفعل خطوات مهمة نحو جعل السيارات الكهربائية قطاعًا اقتصاديًّا واعدًا للملكة بعد إطلاقها لـ”سير”؛ حيث من المتوقع أن تجذب “سير” استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 562 مليون ريال سعودي لدعم الاقتصاد الوطني، وأن تصل مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي بشكل مباشر إلى 30 مليار ريال سعودي، مع توفيرها لـ30 ألف وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر بحلول عام 2034، وستعمل “سير” ضمن استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة؛ حيث ستقوم الشركة بتصميم وتصنيع وبيع السيارات الكهربائية المزودة بأنظمة تقنية متقدمة، كخاصية القيادة الذاتية، في المملكة ومنطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك سيارات السيدان وسيارات الدفع الرباعي.

وتُعد شركة “سير” مشروعًا مشتركًا بين صندوق الاستثمارات العامة وشركة “فوكسكون Foxconn “؛ حيث ستحصل “سير” على تراخيص تقنية المكونات المتعلقة بالسيارات الكهربائية من شركة “بي إم دبليو BMW” لاستخدامها في تطوير المركبات؛ فيما ستطور شركة “فوكسكون Foxconn ” النظام الكهربائي للسيارات، والتي سيتم تصميمها وتصنيعها بالكامل داخل المملكة، وستخضع السيارات لفحص الجودة وفق أعلى المقاييس العالمية، ومن المقرر أن تكون سيارات شركة “سير” متاحة للبيع خلال عام 2025.

وأكد “يونغ ليو” رئيس مجلس إدارة فوكسكون، أهمية هذه الشراكة قائلًا: “بدايةً أود أن أعبّر عن سعادتي الكبيرة بهذه الشراكة مع صندوق الاستثمارات العامة لإنشاء شركة سيارات جديدة تركّز على تصميم وتصنيع السيارات الكهربائية في المملكة العربية السعودية. سنستثمر خبراتنا في فوكسكون لدعم “سير” في تصنيع سيارات كهربائية متميزة في أنظمتها التقنية، كنظام القيادة الذاتية. ونهدف لتعزيز مفهوم السيارات الكهربائية وزيادة عدد مستخدميها، وهذا ما ستفعله “سير” في المملكة والمنطقة ككل”.

المنافسة والتحديات

لقد اكتسبت الصين بالفعل موطئ قدم كبير في النظام البيئي العالمي للسيارات الكهربائية، فيوجد بها خمسة من أفضل 10 صانعي للمركبات الكهربائية الأكثر مبيعًا في العالم، كما أن أكبر شركتين عالميتين لتصنيع البطاريات في العالم هما في الصين أيضًا؛ حيث وصلت الصين إلى هذه الهيمنة بفضل رواسبها الخاصة من معادن الأرض النادرة ووصولها المذهل إلى المناجم في الخارج. على سبيل المثال، تسيطر الشركات الصينية على 15 منجمًا من أصل 19 منجمًا لإنتاج الكوبالت في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهذا المزيج من الوصول غير المسبوق إلى المعادن والقدرة الإنتاجية قد وضع الصين بالتأكيد في الصدارة المبكرة للهيمنة على سوق السيارات الكهربائية.

وفي ألمانيا، حوالى ربع إنتاج السيارات في عام 2022 كان من السيارات الكهربائية، بزيادة حوالى 20% مما وضع ألمانيا على المرتبة الثانية عالميًّا في سوق إنتاج السيارات الكهربائية. ولديهم خطة لتحويل جميع مصانع السيارات خلال 10 إلى 15 عامًا.

أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وهي في المرتبة الثانية بعد الصين في الوصول لمناجم المواد الخام لصناعة البطاريات؛ فقد قررت أمريكا العام الماضي أن تدعم إنتاج البطاريات الكهربائية، وحسب إجراءات تقليل التضخم سوف يكون هناك مزايا ضريبية لصناعة واقتناء السيارات الكهربائية؛ مما سيؤدي إلى ازدهار الصناعة.

المستقبل الواعد

إن للمملكة مزايا خاصة تُمَكّنها من الوصول إلى الموارد الاقتصادية اللازمة للاستثمار والبنية التحتية؛ حيث الخبرات في المواد الطبيعية تكفي للمنافسة بقوة في عالم صناعة السيارات الكهربائية، وكذلك القناعة القوية في وجودها كجزء لا يتجزأ من سلسلة التوريد العالمية للسيارات الكهربائية؛ حيث يتوقع عوائد عالية من الاستثمارات في إنتاج وقود المستقبل “بطاريات السيارات الكهربائية”.

وفي مايو 2022، أعلنت وزارة الصناعة والثروة المعدنية في المملكة أنه سيتم تخصيص 6 مليارات دولار لمشاريع تعدين الصلب وإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية بما في ذلك بناء مصنع معادن للمركبات الكهربائية لجذب الاستثمارات المستقبلية.. وبحسب وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر الخريف، فإن “الاستثمارات ستستمر في جعل المملكة مركزًا للإنتاج والتعدين في منطقة تمتد من إفريقيا إلى آسيا؛ بينما تدعم أيضًا تحول قطاع التعدين لدينا حتى تتمكن.

وفي العام الماضي، أعلنت المملكة العربية السعودية عن استثمارها 6 مليارات دولار في مشروعات لألواح الصلب ومعادن بطاريات السيارات الكهربائية، في إطار مشروع رؤية المملكة 2030 التنموي.

وقال وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف: إن وزارته “وفّرت 6 مليارات دولار لمجمع لألواح الصلب ومصنع لمعادن بطاريات السيارات الكهربائية في إطار خطط لجذب استثمارات بقيمة 32 مليار دولار في قطاع التعدين”.

وأضاف “الخريف” أن “هدف الوزارة هو تمويل 9 مشروعات للمعادن والفلزات، والغرض هو تدعيم تصدير المنتجات المعدنية إلى الأسواق المحلية والعالمية”، وتشمل المشاريع مجمعًا لألواح الصلب بقيمة 4 مليارات دولار لبناء السفن، ومشروعات في قطاعات النفط والغاز والبناء والدفاع ومجمع الصلب “الأخضر”، الذي سيوفر السيارات وتغليف المواد الغذائية والآلات والمعدات، وقطاعات صناعية أخرى. وكلا المشروعين قيد التنفيذ بالفعل كما هو حال مصنع معادن البطاريات الكهربائية بقيمة 2 مليار دولار.

وقال الوزير إن المشروعات ستوفر أكثر من 14 ألف فرصة عمل، كما تفحص الوزارة الآن 145 طلب ترخيص استكشاف من شركات أجنبية، وبيّن أن الاستثمارات ستستمر في جعل المملكة مركزًا للإنتاج والتعدين واللوجستيات في منطقة تمتد من إفريقيا إلى آسيا وتدعم أيضًا تحول قطاع التعدين السعودي حتى يتمكن من تحقيق أقصى إمكاناته.

كما تقوم شركة لوسيد موتورز الأمريكية لصناعة السيارات الكهربائية ببناء أول مصنع لها خارج الولايات المتحدة الأمريكية في المملكة؛ حيث سيتم تصميمه بطاقة إنتاجية سنوية تبلغ 150 ألف سيارة كهربائية؛ علمًا بأن صندوق الاستثمارات العامة هو المساهم الأكبر في الشركة بحصة تتجاوز الـ60%.. وتم الاتفاق على تسليم المملكة 100.000 سيارة خلال العقد المقبل.

بالإضافة إلى ذلك، تبحث المملكة عن طرق فعالة اقتصاديًّا لاستخراج ومعالجة الليثيوم من تحلية مياه البحر والمحلول الملحي المصاحب للنفط؛ وهو ما يسمح لها بتزويد الليثيوم لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية داخل حدودها؛ مما يقلل إلى حد كبير من تكاليف الإنتاج والتصدي لعثرات سلاسل التوريد، ولا بد من الإشارة إلى اهتمام المملكة بالنشاطات الرياضية التي تقام بالسيارات الكهربائية مثل بطولة “فورمولا إي” للسيارات الكهربائية، و”إي ون سيريس” للزوارق الكهربائية فاهتمام المملكة بجميع ما يتعلق بهذه الصناعة هو رسم لمستقبل مزدهر.

وستسمح استراتيجية المملكة للاستثمار بتصنيع السيارات الكهربائية المحلية بخفض التكاليف والوصول إلى الأسواق الأوروبية والهندية والشرق أوسطية بسعر رخيص نسبيًّا؛ حيث يمثل نجاح المملكة في تحقيق طموحاتها يجعلها قائدة صناعة السيارات الكهربائية في السوق العالمية، وعلى قدم المساواة مع مكانتها في سوق النفط اليوم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى